الروائي العراقي أزهر جرجس ( 24)
الروائي العراقي أزهر جرجس ( 24)
الإثنين 8 مايو 2023 / 15:22

الروائي العراقي أزهر جرجس لـ24: الواقع المحض لا يصنع أدباً مميزاً ما لم يختلط بالخيال

24 - إعداد: نجاة الفارس

أكد الروائي العراقي أزهر جرجس، صاحب رواية "حجر السعادة" التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية " البوكر" أنها تدور حول ماكينة التنمر، وما تصنعه من أرواح مشوهة، وأن كتابتها استغرقت منه عامين ونصف العام.

" حجر السعادة" تدور حول ماكينة التنمر وما تصنعه من أرواح مشوّهة

البعد الجغرافي هو أكبر التحديات التي تواجهني في الكتابة

وأوضح أن البعد الجغرافي، هو أكبر التحديات التي تواجهه، مبينا أنه قبل عامين تقريباً كتب السطر الأول من رواية جديدة، بطلها يعمل في نقل الموتى، ولا تزال تشغل تفكيره، وتستهلك عافيته، ويتمنى أن ينهيها قريباً.
وأضاف في حوار خاص مع 24: "الواقع المحض لا يصنع أدباً مميزاً ما لم يختلط بالخيال، كما أن الكتابة الإبداعية لن تكون فاعلة في المشهد ما لم تتنازل قليلًا عن نخبويتها، وتجد أدواتها الحيوية لمحاكاة واقع مفروض، والكتابة الروائية تحتاج إلى المزيد من الصبر والروية"، موضحاً أن على حركة الترجمة عربيا أن تنشط لترجمة المؤلفات الجديدة في كل المجالات. وهذا نص الحوار معه


ماكينة التنمر

_ كيف انبثقت فكرة رواية "حجر السعادة" وكم استغرق وقت كتابتها؟
ـ كانت الفكرة مدونة في أجندتي منذ وقت طويل، إذ طالما شعرت بضرورة الكتابة عن ماكينة التنمر وما تصنعه من أرواح مشوّهة، تشغلني كثيراً صورة الصغار المنزوين بعيداً عن أقرانهم خشية التعرض للإهانة والسخرية، ولدي ألبوم يضم العشرات من هذه الصور المأساوية، عندما فرغت من كتابة روايتي الأولى ونشرها، شرعت في البحث وجمع المصادر، ثم وضع الخطة وكتابة المسودة الأولية لـ "حجر السعادة"، لقد وجدت، مع الكتابة، أن التنمر ليس لعبة يمارسها الصغار بقصد السخرية من أقرانهم وإلحاق الأذى النفسي بهم، بل هي ظاهرة خطيرة تستدعي ثنائية القوي والضعيف، وهذا ما اشتغلت عليه في تتبع حياة "كيمو" بطل الرواية المصور المغمور الذي استنجد بالحجر لمحاولة الخلاص من مأساته، لقد كلّفني الأمر إجمالًا عامين ونصف العام تقريبًا.

 

البعد الجغرافي

_ ما أهم التحديات التي واجهتها أثناء كتابة الرواية؟
ـ لعل البعد الجغرافي هو أكبر التحديات التي تواجهني في الكتابة، فموطن أبطالي هو العراق، وقد طرأت عليه الكثير من المتغيرات الاجتماعية والثقافية، ما يستلزم الحضور والمواكبة عن قرب، أنا أقيم في بلد بعيد، والتعويل على الميديا في معرفة يوميات العراقيين غير مجد تماماً، ذلك لما تجترحه الميديا بشكل عام من كذب وتلفيق يحول النار إلى قرصة المموّل، كما أن التواصل مع الأصدقاء هناك لا يمنح الصورة تمام الوضوح، فلكل وجهته ورأيه وطريقته في تبرير المسائل، لهذه الأسباب أجد نفسي كل مرة ملزماً بالسفر إلى هناك لدراسة المكان من جديد وتتبع خطوات الأبطال وأماكن عيشهم ومصائرهم، وهذا ما فعلته مع حياة كمال توما حيث اضطررت للسفر إلى بغداد والسير في الشوارع والأزقة التي ارتادها حاملًا كاميرته على كتفه، مدوّناً حياة الناس والمدينة.



أدب مميز

_ ما نسبة الواقع و المتخيل في أحداث الرواية؟
ـ بشكل عام، العلاقة بين المتخيل والواقع عنصر أساس في الرواية، فالرواية ليست مجموعة وقائع وصور وإلا لكانت بذلك تقريراً صحافياً مطولًا، كما أنها ليست حكاية متخيلة أبطالها من ورق، الرواية مزيج بين هذا وذاك، هي نص جمالي يحاكي الواقع ويغزل من خيوط الخيال سجادة لفرش الأحداث، لكن ما هي النسبة بين الواقع والمتخيل داخل النص، هذا ما لا يمكن تحديده على وجه الدقة، أو على الأقل هذا ما أريد له أن يكون، لقد عملت على أن يمتزج الخيال بالواقع إلى حد يثير تساؤل المتلقي، وهذا ما حصل؛ حيث تردني رسائل كثيرة تتساءل عما إذا كان "كيمو" شخصية واقعية أم من سقط من خيال المؤلف،
في رأيي، الواقع المحض لا يصنع أدباً مميزًا ما لم يختلط بالخيال، كذلك يفعل الخيال حين يكون مفرغاً من كل صلة بالواقع.



واقع مفروض

_ إلى أي مدى نعول على فنون الكتابة الإبداعية في بث التنوير الفكري، ودحر التخلف والجهل؟
ـ ليس كثيراً، فالكتاب، رغم وفرة المعارض والأنشطة الثقافية، الرسمية وغير الرسمية، التي تدعو إلى تنشيط فعل القراءة، لا يزال مهجوراً يعاني الإهمال والعزلة، هذا الأمر طبيعي في عصر الميديا، الذي أظن أن مكوثنا فيه سيطول، ناهيك عن طوفان مواقع السوشيال ميديا وتقليعاتها التي لا تنتهي، لذلك فإن الكتابة الإبداعية لن تكون فاعلة في المشهد ما لم تتنازل قليلًا عن "نخبويتها" وتجد أدواتها الحيوية لمحاكاة واقع مفروض، هذا لا يعني أن علينا تفريغ النص الأدبي من قيمه الجمالية والفنية لصالح التنوير، فالنفعية تقتل الفن بحسب النظرية البرناسية، إنما قصدت نفي العجز عن ماكينة الإبداع بأن تكون خلّاقة ومؤثرة في كل العصور، فيما لو أرادت ذلك.

 





مساحة البوح

_ عرفناك روائيا وقاصا متميزا، هل ستعود لكتابة القصص القصيرة أم أن العمل الروائي أصبح هاجسك الأوحد؟
ـ عندما كتبت مسودة روايتي الأولى لم أكن قد خططت لنشر مجموعة قصصية بعد، كنت أكتب بعض القصص بالتزامن مع كتابة الرواية، وكان الأمر يشعرني بالراحة، إذ وجدت فيه الخلاص من تزاحم الأفكار التي تراود الكاتب عند الشروع في العمل، غير أني في النهاية فرغت من كتابة 34 قصة، بينما الرواية تسير سيرَ السلحفاة ومصائر أبطالها لا تزال تشغل رأسي، لقد نشرت مجموعتين قصصيتين قبل العودة إلى إكمال "النوم في حقل الكرز"، لكني خرجت بنتيجة مفادها أن الكتابة الروائية تحتاج إلى المزيد من الصبر والروية، وهذا ما يلائمني، ثم أن الكتابة الروائية توفر مساحة في البوح، يفتقر لها فن القصّة القصيرة، بل يمكن الادعاء ههنا بأن قابلية الرواية للقول لا تتوفر في أي جنس أدبي آخر.


الترجمة

_ باعتبارك مترجماً كيف تنظر لحركة الترجمة عربياً، وما أهم المجالات التي ينبغي أن تنشط فيها هذه الحركة ولماذا؟
ـ من جهة الكم، هناك وفرة في النصوص المترجمة إلى اللغة العربية، لكن المشكلة تكمن في مستوى هذه التراجم وعدم خضوعها للتحرير الأدبي، أضف أن هناك نوعاً من التلفيق الأدبي من بعض الناشرين في الترجمة، باعتمادهم على النسخة الإنجليزية لعمل أجنبي ما، ثم يدعون أنه منقول عن النص الأصلي، فرنسياً، كان أو كورياً، أو غير ذلك، هذا في اعتقادي أمر معيب لا يجوز ، ولا بأس أن يكون النص المترجم منقولًا عن النسخة الإنجليزية دون حاجة إلى تلفيق، أما ما على حركة الترجمة أن تنشط فيه، فهي المؤلفات الجديدة في كل المجالات، فليس معقولاً أن ينتظر الناشر العربي مرور خمسين عاماً على رحيل مؤلف ما، لتسقط حقوقه الفكرية، ليدفع مؤلفاته إلى الترجمة والنشر!


_ ما مشروعك الأدبي المقبل؟
ـ منذ عامين تقريبًا كتبت السطور الأولى لرواية جديدة، بطلها يعمل في نقل الموتى، ولا تزال تشغل تفكيري، وتستهلك عافيتي، أتمنى أن أنهيها قبل أن تقضي عليّ.